الوصمة الاجتماعية... تقتل النساء مرتين

الوصمة الاجتماعية هي إحدى الظواهر الشائكة في المجتمع الفلسطيني التي تلاحق المرأة منذ ولادتها وصولاً بها إلى ضحية للعنف الأسري القائم على التمييز والظلم، وتبعاً للعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية السائدة.

نغم كراجة

غزة ـ عرّف مصطلح الوصمة المجتمعية "وصمة العار" بأنها الرفض المطلق لشخص معين ومناداته بألقاب سلبية نتيجة أسباب اجتماعية واهية وقوالب نمطية مجحفة تحقر من قيمته مما يؤدي إلى الانعزال والاكتئاب وتراكم الضغوطات النفسية.

تقول الأخصائية في برنامج غزة للصحة النفسية بشرى أبو ليلة "يعتبر موضوع الوصمة المجتمعية التي توصم بها النساء من أكثر المواضيع الشائكة المنتشرة في قطاع غزة وهذا ما لامسناه من خلال عملنا في برنامج غزة للصحة النفسية حيث نجد أن لكل قضية أو أمر معين يلاحق المرأة وصمة خاصة مثل الطلاق، القتل، الإعاقة".

وأوضحت أن الوصمة أفقدت المرأة ثقتها بذاتها وفرضت مجموعة من القيود على حريتها وتفكيرها، إضافة إلى معاملتها بشكل سيء قائم على التمييز بين الجنسين، ومنح الرجال الأولوية والاهتمام والتغاضي عن حقوق الفتيات وحرمانهن من التمتع بها منذ وجودهن في الحياة من منطلق الصورة النمطية المتوارثة منذ عقود طويلة.

وعن الأسباب الحقيقية لنشأة الوصمة الاجتماعية أكدت على أن العادات والتقاليد البالية هي من أهم الأسباب التي تتوارثها الأسر الفلسطينية عبر الزمن "ينظر المجتمع للمرأة المطلقة بصورة سلبية ومجحفة حيث تحرم من العمل والتعليم والسفر بحكم أن انفصالها عار على العائلة وكل خطوة تخطيها تحاسب عليها، وفي رواية أخرى كثيرات من النساء تلتزمن الصمت فضلاً عن الطلاق رهبة من الأهل وتفادي قذف البيئة المحيطة بالألفاظ السلبية والقاسية".

وأشارت إلى أن القانون ينصف النساء بشكل جزئي وربما لا ينصفهن حسب قضية كل منهن، كما أن غالبية القوانين حبرّ على ورق ولا توفر الحماية الكاملة للمرأة حيث هنالك مجموعة من القوانين التي أتاحت للجناة الإفلات من العقاب والمحاسبة على جرائم تعنيف وقتل النساء، وبالرغم من الجهود المبذولة في سبيل النهوض بواقع المرأة إلا أن المساحات الآمنة لا تكفي لحمايتها " نعمل كمؤسسات صغيرة غير متكاملة لا تتوفر بها أدوات الحماية والأمان للنساء بمعنى أن الجهود مبعثرة غير منظمة".                     

وحول الآثار المترتبة على المرأة قالت "تتعرض الموصومات إلى جملة من الضغوطات النفسية التي تتفاوت خطورتها بين كل امرأة كما أنها تصبح أكثر عرضة للاكتئاب والانعزال والاضطرابات النفسية الحادة وربما تسلك طريق الانتحار للتخلص من الظلم الذي تخلفه الوصمة سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو النفسي"، لافتةً إلى أن الوصمة تقتل النساء بدم بارد مثل القتل على خلفية الشرف "غسل العار".

ولفتت إلى أن "العديد من النساء اللواتي توصمن تقمن بأذية أنفسهن خاصة اللواتي تعانين من مشاكل نفسية، لذلك لا بد من التدخل السريع من قبل المؤسسات النسوية المعنية لتحديد مدى صعوبة الحالة والسيطرة عليها بحيث يمكن إيقافها عن اتخاذ قرارات قد تقودها للتهلكة والوقوع في دائرة الخطر نظراً لأن أغلب الحالات التي تأتي لطلب المساعدة والخدمة تكون قد وصلت إلى أعلى درجات ومراحل العنف وقررت البوح بشكل مفاجئ".

وأوضحت أن النساء والفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة هن أكثر عرضة للوصمة الاجتماعية ويمارس عليهن العنف بشكل مضاعف لاعتبارهن عاجزات وعالة على عاتق الأسرة فيحرمن من حقوقهن الأساسية كالميراث والعمل والتعليم من منظور الثقافة الاجتماعية البالية السائدة بين الأسر الفلسطينية "هنالك ضرورة ملحة لتمكين ذوات الاحتياجات الخاصة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وتقديم جلسات الدعم النفسي والمعنوي وتسليط الضوء عليهن من أجل الوصول إلى مجتمع خالٍ من التمييز والوصم".

وأكدت على أن "البيئة التي تقطن بها المرأة إما أن تكون نقطة انطلاقها أو إعدامها حيث شاهدنا الكثير من القصص الحقيقية المؤلمة التي اضطهدت وقتلت بها النساء على أيدي أحد أفراد عائلتها وفي المقابل هنالك ثلة من النسويات اللواتي حققن نجاحاً باهراً في حياتهن العامة نتيجة دعم ومساندة عائلتهن لهن".

ومن جانبها قالت (م . ن) البالغة من العمر 34 عاماً "منذ أن تزوجت وأنا أتعرض للعنف الجسدي واللفظي من زوجي وعائلته إلى جانب المضايقات والتدخلات في حياتنا، وفي كل مرة أشكو بها إلى عائلتي لا أجد رداً رهبة من الخلافات التي قد تصل إلى الطلاق باعتبار المطلقة عار في العائلة ولقب سيء يلاحق المرأة وأسرتها مدى الحياة، لكن الأمر ازداد سوءاً بعد إدمان زوجي على المخدرات واستياء الأوضاع الاقتصادية ما دفعه إلى أخذ مصوغاتي؛ لبيع وشراء جرعات مخدرة".

وأوضحت أن بعد إدمان زوجها على المخدرات تعرضت للاعتداءات الجسدية كالضرب المبرح إضافة إلى التعدي على ممتلكاتها الخاصة والسيطرة عليها "اضطررت إلى إعطائه مصوغاتي والمال الذي أدخرته للزمن خوفاً أن يقتلني أو يلحق الأذى بأطفالي خاصة أنه هددني بذلك أكثر من مرة، ومن المؤسف أن اللوم الحقيقي يقع على عائلتي التي جعلتني أتقبل هذا الوضع رغماً عني من مبدأ الحفاظ على البيت والأطفال وسمعة العائلة".