التهويدة... أغاني ممزوجة بالحزن والحنين في غياهب المخيمات

لكل أم نازحة في خيام إدلب أغنية خاصة بها، تختلط فيها مشاعر الحب والحنان والحزن، وهي تضم صغيرها بين ذراعيها، لتترك داخله شعوراً بالطمأنينة والأمان، فيغفو تاركاً خلفه حياة يعيشها أهله في منفى المخيمات.

هديل العمر

إدلب ـ وسط هدوء الليل الحالك وصخب النهار المغبر، اعتادت الأمهات في مخيمات إدلب تنويم أطفالهن بنوع غناء موسيقي يقدّم بأصواتهن للأطفال قبل النوم، فيبعث ارتباط الطفل بصوت أمه على السكينة والاستسلام للنوم رغم كل الظروف السيئة المحيطة بسكان المخيمات.

سميت أغاني المهد بأسماء عدة، تتناسب مع المجتمعات كافة ولهجاتها، فهي تحمل تسميات متنوعة منها المهاواة، والهدهدة، وأغاني المهد، كذلك الترويدة، والتهويدة، وجميعها تحمل في مضامينها تدليل الطفل وهدهدته حتى ينام، بكلمات عذبة وصوت ناعم، وهز خفيف، فتحمل تلك الكلمات أحاسيس الأم التي تعالجها بأفكارها وعاداتها ومعتقداتها.

وقالت خولة فلفل البالغة من العمر 31 عاماً، وهي نازحة من قرية الدير الغربي ومقيمة في مخيمات كفر لوسين، أنها تغني التهويدة لطفلها البالغ من العمر عشرة أشهر قبل أن ينام في كل مرة، والذي سرعان ما يغفو على ألحانها.

وأوضحت "اعتاد أطفالنا النوم على التهويدة منذ القدم حتى يومنا هذا، تمتزج اليوم ببعض العتابا الحزينة التي تحكي حالنا المزري في مخيمات النزوح".

وأشارت إلى أن "التهويدة لا تبعث على استمتاع الطفل وارتياحه وهدوءه وحسب وإنما تساعدنا نحن الأمهات على تفريغ شحنات الألم من قلوبنا المحاطة بالحزن على بلادنا التي هجرنا منها قسراً ولا أمل العودة".

ومن جانبها تغني ريم العبد الرزاق البالغة من العمر 26 عاماً، لطفلتها أغنية المطربة فيروز "ريما"، ولكن تستبدل اسم ريما باسم ابنتها تسنيم البالغة من العمر سنة وشهرين.

وأوضحت أنها تحتار مع كلمات أغاني المهد البسيطة والحالمة، أنواع من العتابا المرتجلة والممزوجة بمشاعر الشوق والحنين، تتحدث من خلالها لطفلتها عن فراق الأحباب، وكيف تتوهم عند سماع صوت الرياح أنهم عادوا.

وبدورها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية فهمية الرمضان البالغة من العمر 41 عاماً، إن الأم استعانت منذ القدم بالغناء والأهازيج ودندنة القصص المشوقة، لتهدهد لطفلها وتهيئه لنوم عميق، ولتكسبه بعفوية مهارات حياتية يحتاج إليها، كما استخدمت الأغاني والترنيمات عندما كان يصاب الطفل بمرض لتحويل تركيزه عن الألم والتعب من خلال الأهازيج الخفيفة والشعر والعتابا المغناة.

وأوضحت أن التهويدة همسة حنية تجود بها الأمهات على الأطفال الرضع ليخلدوا إلى النوم، إذ تعطي الأم أهمية بالغة في الحفاظ على هدوء الرضيع ليتمكن من النوم بهدوء تام حتى تقوم هي بالأعمال المنزلية الملقاة على عاتقها والتي زادت سنوات النزوح من صعوباتها في المخيمات.

وأشارت إلى أن معظم أغنيات التهويدة لها أهمية كبيرة من حيث الراحة التي تشعر بها سواء الأم أو الطفل باعتبارها تعكس الحالة النفسية والوضع الاجتماعي والعائلي للأم الذي تعيشه في تلك اللحظة التي تلجأ فيها إلى الترنم بالأغنيات.

وأوضحت أن بعض الأغاني تحمل معاني الألم والحزن الذي تعيشه جراء الصعاب التي تواجهها في الحياة، وتارة تشكو الزمن الجائر الذي لم ينصفها ووضعها على حافة النسيان، أو ربما تتذكر من مات أو هجر من أقربائها أثناء الحرب التي فرقت شملهم، فتحاول الخروج من حزنها بتلك الأغنيات العفوية.