تونس... عاملات الحضائر بين انتهاك الحقوق واستغلال المجهودات

ترتفع نسبة عاملات الحضائر في تونس خاصة بقطاعات التنظيف والفلاحة والصيد البحري وتواجهن العديد من الانتهاكات خاصة على مستوى الأجر والتغطية الاجتماعية والنقل.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس خلال 12 عام من الثورة رغم أن الهدف الأساسي منها كان تحسين أوضاع الناس، إلا أن معاناة الفئات الهشة تعمقت أكثر على غرار عاملات النظافة والفلاحة والمحار مما دفع بالمجتمع المدني إلى التحرك للمطالبة بتحسين أوضاعهن وإطلاق العديد من الحملات وكان آخرها حملة "فاض الكأس".

أطلق ممثلين عن عمال الحضائر حملة "فاض الكأس" وهي إعلان عن نهاية الهدنة الاجتماعية مع الحكومة الحالية، وذلك لعدم التزام الأخيرة بتطبيق اتفاق 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020 وانتهاك حقوقهم كما فعلت الحكومات المتعاقبة من مماطلة وتسويق وسياسة ربح الوقت مما تسبب في حالة احتقان في صفوف العمال.

وأول خطوات الحملة كانت زيارة ميدانية من قبل الممثلين لبعض الولايات وخاصة التي تضم أكبر عدد من العمال والتشاور مع الفاعلين فيها لوضع خارطة طريق جديدة للمرحلة القادمة.

وفي السابع من كانون الثاني/يناير الفائت انتهت المرحلة الأولى من حملة "فاض الكأس" التي انطلقت في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وخلال شباط/فبراير الجاري سيتم التحرك والاحتجاج في ساحة القصبة مع إمكانية التصعيد في حال لم تستجب الحكومة للمطالب التي تم الاتفاق عليها والمتمثلة في التسريع انتداب الدفعة الأولى من العمال/العاملات الذين كان من المفترض تعيينهم في أيلول/سبتمبر 2021.

وحول معاناة عاملات الحضائر بتونس قالت الناشطة بالمجتمع المدني هبة الله السعدي "للأسف ونحن نحتفل بمرور الذكرى الثانية عشر للثورة التي كان شعارها "عمل حرية كرامة وطنية" نجد أن المرأة في تونس لا تتمتع بكرامتها وخاصة المنتمية إلى قطاع عمال الحضائر الذي يضم نسبة كبيرة من النساء اللواتي تعملن فيه ويمارس ضدهن كل أساليب الظلم والحيف والتهميش والتمييز والقمع والاستغلال يصل حد التحرش بهن من قبل أرباب العمل".  

وعن حقوق الفلاحات أوضحت "نستيقظ من حين لآخر على خبر موت إحداهن ولا توجد أي أطر قانونية تحميهن وهي مهازل دولة على رأسها رجل قانون كان من المفروض أن يطبق القانون، كما أنه لدينا من القوانين الكثير ما يخول للمرأة أن تعيش بكامل حقوقها لكن للأسف اليوم نجد أنفسنا أمام حكومة تتجاهل جميع حقوق المرأة كما لا توجد أي بوادر للنهوض بها بل بالعكس تمارس ضدها كل أنواع الظلم خاصة المهمّشات".

واعتبرت أنه حان الوقت أن تقوم السلطات بلفتة جدية للنساء في تونس "رغم تهميشهم سنظل حرائر تونس، وسنظل يقظات وندافع عن قضايا المهمشات في كل القطاعات من العاملات".

وعن المشاكل التي تتعرض لها هذه الفئة من النساء قالت "من بين المشاكل التي تعرضت لها عاملات الحضائر توزيعهن بعيداً عن مقرات السكن وخارج ولاياتهن وبمناطق نائية تفتقر لوسائل النقل وذلك بالدفعة الأولى للانتدابيات التي تم الإعلان عنها مؤخراً".

وأوضحت "اتصلت بي مؤخراً عاملة حضائر تشكو وتقول أنها ذهبت إلى المؤسسة التي تم تعيينها فيها فاكتشفت أنها موجودة في أقصى ريف محافظة بنزرت الموجودة بشمال البلاد وهي تقطن بريف محافظة القصرين الموجودة بالوسط الغربي للبلاد، أي أنها طيلة الـ 12عام وهي تنتظر ترسيمها وعندما جاءها الترسيم اعتبرته بمثابة السكين التي وضعوها على رقبتها فلم تستطع الالتحاق بالعمل لأن لديها أطفال صغار وعائلة وأم مسنّة تهتم بها"، مضيفةً "لهذه الأسباب لن تتمكن الكثير من النساء مباشرة عملهن، بالرغم من أنهن مهددات بالحرمان من الوظيفة العمومية التي طالما انتظرنها، فقط لأن الحكومة اعتمدت طريقة تعجيزية وهي طريقة ممنهجة لدفعهن إلى عدم مباشرة مهامهن في إطار سياسة التقشف التي تقوم بها الدولة وهذا أقل شيء يمكن أن نذكره في الملف".

وعن الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات تقول "تتعرض العاملات التونسيات إلى ظلم كبير بسبب غياب قانون يحميهن الشيء الذي دفع بالكثير من النساء إلى الهجرة السرية وموت العديد منهن عرض البحر ومنهن من تمتن وهن في طريقهن إلى العمل في الأراضي الزراعية وبالتالي تفقد العاملات حياتهن براً وبحراً ولا تجدن من يسمعهن ويحميهن من منتهكي حقوقهن داخل البلاد وخارجها لأن الكثير من النساء ركبن قوارب الموت وتعرضن للمخاطر وحتى اللواتي تجاوزن البحر تعرضن إلى الانتهاكات في البلد الذي وصلن إليه".

وكممثلة لعاملات الحضائر "أطالب السلطات التونسية بمراجعة القوانين التي تحفظ حقوق المرأة في تونس ومراجعة كل المراسيم والمناشير التي تخصهن وإعادة تنقيحها"، مؤكدةً على أنهم خلال الحملة "رصدنا العديد من الانتهاكات بالصوت والصورة وخاصة خلال نقلهن في شاحنات الموت يومياً في ظل غياب أي قانون يحميهن".

وطالبت "بضرورة سن قانون يحدد كيفية عمل العاملات وأجورهن وتمتعهن بالتغطية الصحية والاجتماعية لأنه لا تملكن أي حقوق وما تربطهن بها هي فقط بطاقة التعريف التي كتب عليها الجنسية التونسية، هؤلاء النساء تعملن في ظروف تعيسة جداً وهذه مهزلة وعار".

وحول حملة فاض الكأس التي تم اطلاقها لفائدة هذه الشريحة قالت "اطلقنا نحن ثلاثة مؤسسين وممثلين لعمال الحضائر حملة بعنوان "فاض الكأس"، هذه الحملة تعنى بمطالب عمال الحضائر بدرجة أولى وستكون مفتوحة على جميع الحركات الاجتماعية سوف نعطي للحركات الاجتماعية مكانة هامة وخاصة التي تمثل العاملات وتتعلق مطالبنا بتسريع عملية انتداب الدفعة الأولى من عملة الحضائر واستكمال إجراءاتها وانتداب دفعتين في سنة 2023 كتعويض عن التأخير الذي حدث".

وأوضحت "رفضنا القاطع لطريقة الانتداب التي تم استعمالها مع الدفعة الأولى وكيفية توزيع العمال خارج ولاياتهم، وانتداب دفعتين الثانية والثالثة من عام 2023 كتعويض على التأخر الحاصل، والتصريح بكل شفافية عن عدد العمال الذين باشروا فعلياً من الدفعة الأولى وتعويض من لم يباشر بمن يليه في القائمة والحاقة بالدفعة الثانية، وتفعيل الزيادة التي تم اقرارها في الرائد الرسمي في تشرين الثاني/أكتوبر 2022 وصرف المفعول الرجعي الخاص بها، ومراجعة التغطية الاجتماعية والصحة والترفيع في نسبه الاقتطاع لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي حتى يتمكن العمل من الحصول على دفتر علاج يغطي مصاريف العلاج العمومي".

وأضافت "نطالب الحكومة بالتصريح بكل شفافية بعدد عملة الحضائر المباشرين فعلياً بالمؤسسات من الدفعة الأولى وتعويض من لم يباشر منهم بمن يليه في القائمة وإلحاقه بالدفعة الثانية، بالإضافة إلى مراجعة التغطية الاجتماعية والصحية والترفيع في نسبة الاقتطاع لصندوق الضمان الاجتماعي حتى يتمكن عمال الحضائر من الحصول على دفاتر علاج تغطي مصاريف محترمة من تكاليف العلاج".

وأكدت الناشطة بالمجتمع المدني هبة الله السعدي على أن هناك عاملات حضائر فقدن حياتهن لأنه ليس لديهن بطاقة للعلاج ولا الحق في عطلة مرضية أو عطلة أمومة وهناك من توفيت لأن رب العمل طلب منها أن تعود إلى العمل بعد ولادتها لطفلها بخمسة أيام فقط، لتصاب بنزيف حاد أثناء العمل وتفقد حياتها.