ناشطات ليبيات: قيود أمنية وقانونية ومجتمعية تضر بحق حرية الرأي والتعبير وممارساته

لجعل حرية التعبير واقعاً لا بد من توافر بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور قطاع إعلامي ومدني متعدد الآراء ومنفتح، ولا بد كذلك من توافر الإرادة السياسية لدعم ذلك القطاع وتوافر سيادة القانون لحمايته.

هندية العشيبي

بنغازي ـ إن حرية التعبير والرأي حق من حقوق الإنسان، على النحو المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يؤكد أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

على الرغم من أن الإعلان الدستوري الصادر في 2011 نص على أن حق الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية للمواطنين، كما تضمنت المادة 37 و38 من مشروع الدستور الذي اعدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، على أن حرية التعبير والنشر وحرية الصحافة  حق اساسي يلزم الدولة على توفير الضمانات الكافية لتطبيقه وحمايته، ألا إن الأحداث المتتالية والاعتداءات المتكررة على الصحفيات والإعلاميات وممثلات المجتمع المدني اللواتي تمارسن هذا الحق، أثار القلق لدى الكثير حول مستقبل حرية التعبير في ليبيا، خاصة بعد سن البرلمان الليبي لقانون الجريمة الالكترونية الذي رفضه الكثير لتعارضه مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية.

 لهذا طالبت عدة مؤسسات مدنية الفترة الماضية مجلس النواب الليبي بإلغاء أو تعديل، القانون رقم 5 لعام 2022 الخاص بمكافحة الجرائم الالكترونية، والصادر في أيلول/سبتمبر من نفس العام، بسبب مساسه بحقوق الانسان وتقيده لحريته من خلال ما يتضمنه من مواد تمس الحريات الاساسية المنصوص عليها في الدستور والمتمثلة في الحق بحرية التعبير والرأي والحق في حرية التجمع السلمي بالإضافة إلى الحق في الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية.

وقالت الناشطة المدنية شيم بوفانة إن حرية الرأي والتعبير في ليبيا حتى الأن لازالت غير مكتملة لعدم وجود دستور حقيقي أو نصوص قانونية ثابتة تحدد ضوابط هذا المبدأ، موضحةً أن هذا المبدأ لغياب القانون والدولة أصبح وسيلة للتشهير والسب والابتزاز لصالح شخصيات أو جهات أو مؤسسات بعينها تمارس بشكل غير أخلاقي أو قانوني، لمصالح شخصية، خاصة في المرحلة الحالية والصراع السياسي الكبير الذي تشهده البلاد.

وأوضحت أن لمؤسسات المجتمع المدني الدور الكبير في تفعيل هذا المبدأ في الواقع، لكنها لم تستطع تثبيته لانعدام الأمن والسلطة القانونية والأمنية بالبلاد، فأغلب الشخصيات التي تقول رأيها وتعبر عنها بشكل سليم، قد تتعرض للملاحقة الأمنية أو لاعتداء وحتى الاحتجاز، وترى أن حرية الرأي والتعبير في ليبيا تنتهي بمجرد المساس بمصالح ومعتقدات الاخرين الذين يملكون القوة النافذة بالبلاد.

بينما قالت إعلامية وناشطة حقوقية فاطمة الشوبكي، أن ثقافة حرية الرأي والتعبير في الشارع الليبي ضعيفة، فقد يتعرض الاشخاص الذين يعبرون عن آرائهم بحرية للقمع والاعتداء من قبل اشخاص اخرين مختلفين معهم في الرأي داخل المجتمع، ما يتطلب معه تثقيف المواطنين بشكل أكبر بهذا الحق الاصيل.

وأوضحت أن للمؤسسات الإعلامية في ليبيا تمارس هذا الحق من خلال القضايا التي تطرحها عبر منصاتها المختلفة، ولكن هذا الحق يتقيد بآراء الجهات الممولة لهذه المؤسسات أو الايدلوجيا التي تتبعها، مؤكدةً أنه من حق المؤسسات الإعلامية التابعة للحكومة خاصة، أن تطرح القضايا والموضوعات بكل شفافية وحرية باعتبارها سلطة رابعة قادرة على أحداث التغيير في البلاد.

ودعت الإعلامية فاطمة الشوبكي مؤسسات المجتمع المدني والحكومة إلى توعية المجتمع بحق حرية الرأي والتعبير من خلال تنظيم جلسات ومحاضرات وورش عمل توعوية للتعريف بهذا الحق وتعزيزه داخل المجتمع، لغرس ثقافة تقبل أراء الأخرين، دون المساس بحقوق الأخرين.

وأكدت على أنه لكي يتم تعزيز هذا الحق في ليبيا يجب اتخاذ بعض الخطوات منها، تعزيز مبدأ حرية الرأي والتعبير داخل المؤسسات الإعلامية، وتفعيل المؤسسات الأمنية وومدها بالأدوات اللازمة لحماية هذه المؤسسات والاشخاص العاملين داخلها.

وبشكل عام يرى المراقبون أن حرية التعبير في ليبيا أصبحت مصدر خطر لمن يمارسونها، فاغلب البلاد التي شهدت انتفاضات الربيع العربي أصبحت أقرب إلى الديكتاتورية عن الديمقراطية، بعد أن شهدت اضطرابات امنية وسياسية عدة على مر سنوات.