من واقع تجارب مشروع "كرامة" كيف غير العمل وامتلاك حرفة حياة النساء

قد لا يدرك الكثيرون قوة امتلاك مصدر دخل أو مردود الاستقرار الاقتصادي على النساء، ولكن واقع تجارب النساء وتطورها بعد تمكينهم أثبتت قيمة وأهمية هذا الجانب، بل وأوضحت أنه قد يكون بوابة النجاة والعبور من سلطة المجتمع الأبوي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ كفاح المرأة ونضالها ليس وليد اللحظة أو التجارب الآنية، فمنذ نعومة أظافرنا ونحن ندرك جيداً أن من تدير الأسرة هي بالأساس امرأة والمسؤول الأول عن خزانتها وماليتها والتوفير والتدبير بل والبحث عن مصادر دخل إضافية هي أيضاً امرأة، تلك الأم والمعلمة والعاملة بلا أجر أو شكر في منزلها.

لا يمكن التغافل عن دور العوامل الاقتصادية وتأثيرها، بل يمكن أن نجعل منها بلا شك بوابة العبور والنجاة، فأن تملك المرأة زمام أمورها الاقتصادية هي بذلك تستطيع وبدون تردد أن تقول "لا" والرفض هنا بصور لا يمكن حصرها فمثلاً يمكنها إيقاف معنفها عند حدوده بل والتخلص من سلطته سواء كان زوجاً أو أباً أو أخاً أو ابناً، فهي تستطيع أن تستقل عنه تماماً وتنفق على نفسها ومن تهتم لأمره، كما يمكنها رفض الخضوع للابتزاز الجنسي والعاطفي سواء كان في العمل أو محيطها العام.

ولن نبالغ إذا قلنا أنها تستطيع تجاهل ما يثار بشأنها من شائعات مجتمعية ولفظ في بعض الأحيان، فالقدرة الاقتصادية لا تعطي المرأة أموال لإنفاقها فحسب، بل تمنحها أيضاً القوة والثقة بالذات والاستعداد للمغامرة والمخاطرة للتخلص من تبعات السلطة والتسلط، ولتمكين النساء اقتصادياً تأثير قد يصل لحد تغير الحياة تماماً والمسار كما سنرى في هذا التقرير وكذلك تطوير الأفكار والعلاقات.

 

من امرأة تحت الصفر لأخرى مختلفة تماماً وتستعد لإنشاء مصنع

قالت زينب محمد التي تعمل على تفصيل الملابس السواريه والكاجوال، أنها شاركت في معرض مع الجمعية المصرية للتنمية الشاملة بمدينة المرج، وتشارك في المعرض الحالي بعد تطور مهاراتها وتدريبها، معتبرةً أن تجربة المعارض تحسن من أدائها في التعامل مع الآخرين وتوسع من دائرة علاقاتها.

وعن فكرة المشروع فقد روت زينب محمد، كيف بدأت بتصليح الملابس في محل صغير إيجار تكسب منه بضع جنيهات لأنها فقط كانت تكمل نواقص الثوب، وبعد ذلك سمعت بإمكانية تعلمها للتفصيل مع الجمعية المصرية للتنمية الشاملة وهو الأمر الذي لم يجعلها تترد لحظة في خوض التجربة لأنها في أمس الحاجة لتحقيق ذاتها وتوفير مصدر دخل إضافي لأسرتها.

واستطردت قائلةً "مشروعي غير حياتي فقد كنت أمتلك ماكينتين ومحل أجار والآن أصبح لدي محل أملكه، وبات لدي عملاء جدد وأصبحت الآن أستطيع توزيع وقتي، وأعمل أيضاً مدربة على صناعة المنظفات، ولدي أكثر من مشروع".

وعن تأثير التمكين الاقتصادي على النساء قالت "المرأة أقوى شخص على تلك الأرض وتستطيع تغيير مصيرها، فلا تعلمين كم القوة التي بداخل المرأة فقد كنت تحت الصفر الآن استعد لإنشاء مصنع وسأعمل على إدارته وسأصل لما أطمح لأني أدركت ذاتي وتعرفت على حقيقة ما أمتلكه من إرادة حينما بدأت أعمل واتطور وأزيد من حجم أعمالي وبالتالي دخلي".

 

 

تمكين النساء اقتصادياً يساهم في حل أزماتهن

قالت مدربة كروشيه ومكرميات وحرف يدوية حنان متري، أن فترة كورونا فرضت مجموعة من الإجراءات الاحترازية على الجميع ولكنها استفادت من ذلك في مشاهدة الفيديوهات التعليمية وبدأت في إنتاج قطع مصنوعة بيدها من الكروشيه وهو الأمر الذي جعلها تنبهر وتسعد وغير من مشاعرها التي كانت متيبسة إلى حد كبير مع رتابة الحياة اليومية وروتينها.

حنان متري، رغبت في التعلم أكثر وزيادة معرفتها بل وتطوير أدواتها، ومنها انطلقت أفكارها بلا نهاية لتشارك في معارض منها "ديارنا وتراثنا"، فضلاً عن تلك التي تقوم بها الجمعية المصرية وغيرها، وتحولت فيما بعد لمدربة تمنح غيرها ما اكتسبته من معرفة راغبة في تغير حياتهم كما حدث لها.

وعن تأثير تمكينها اقتصادياً على حياتها تقول "خلال فترة كورونا طالت الأزمة الاقتصادية الجميع وأصبح زوجي كغيره بلا عمل وقل المال في المنزل فبدأت مشروعي بـ 100 جنيه، وتطور الأمر حتى قمت بعمل مجموعة لتسويق المنتجات الخاصة بي، وأنشأت قناة على اليوتيوب، وحرصت على زيادة حجم رأسمالي حتى أصبح لي عملاء كثر بل وأدرب أكثر من شخص في دول أخرى، وأعمل على التعلم أكثر خاصة بعدما أصبحت أرتاد البرامج التليفزيونية لأتحدث عن الحرف اليدوية وأشارك خبراتي".

وخاطبت النساء قائلة "ابدأوا مشاريعكم الخاصة فالكثيرات مازلن تترددن والعمل يغير حياة المرأة والبداية ليست بالضرورة أن تكون كبيرة ومع الوقت ستعرفون كيف ستتغير حياتكم للأفضل وتتحول من الركود إلى الوفرة والنجاح وستجدون السعادة، حتى نظرتكم للعالم المحيط بكم ستتغير تماماً نتاج زيادة ثقتكن في أنفسكن وقدراتكن".

 

 

مصدر لدخل إضافي ويحقق الذات وينمي المهارات

نهلة رياض التي تمتهن الكروشيه، اعتبرت أن التعلم واحد من أهم الخطوات التي قررت أن تقوم بها مؤخراً فقد ذهبت للجمعية بغرض البحث عن سبيل لاكتساب المهارات وتحقيق الذات في مجال أحبته منذ الصغر ولم تمتلك وقت لتعلمه.

وعن قيمة امتهان الحرف تقول "هويت الكروشية واستمتع به، وهناك معوقات منها أن الكثيرون لا يعرفون قيمة المنتجات اليدوية وما تأخذه من وقت للإنجاز، فضلاً عن عدم إدراك العملاء لقيمة هذا العمل"، وحول السبب وراء قرار التعلم أوضحت "أطفالي كبروا وقررت أن أملأ وقت فراغي بعمل مثمر يضيف لأسرتي، وقررت البدء في التعلم وجدت أن المشروع يمكن تطويره وأصبح مصدر دخل أضافي أيضاً واترقب تطويره وتنميته خلال الفترة المقبلة".

 

 

نهاية للمشاعر السلبية ويساهم في تجاوز الأزمات

قالت نهلة خالد أنها قررت عمل مشروع للمفروشات برفقة صديقتها، وقمن بالعمل من المنزل وحصلوا على دورات تدريبية في الجمعية المصرية ضمن مشروع "كرامة" كما يقومون بالمشاركة في المعارض التي يقيمونها أينما كانت.

وأوضحت أنهم بدأوا بالمشروع لزيادة دخل عائلتهم، فضلاً عن مساعدة أنفسهم في التحقق، مضيفة أنهم رغبوا في تحقيق قدر من الاستقلالية الذاتية وتنمية المهارات من خلال امتهان حرفة.

واعتبرت أن امتلاك حرفة يساعد المرأة بالأساس على تجاوز أزماتها والتخلص من مشاعرها السلبية ويمنحها طاقة يمكن بها أن تحقق التوازن في المنزل والعمل وتغير مصير أطفالها بدخلها الإضافي الذي من المؤكد أنه سيساهم في تحسين وضع جميع أفراد الأسرة.

 

 

الجدير بالذكر أن النماذج التي تم التحدث إليها تم تطويرهم وتدريبهم تحت إشراف الجمعية المصرية للتنمية الشاملة ضمن برامج مشروع "كرامة" الذي تم العمل عليه خلال أربع سنوات في منطقة المرج بالتعاون مع مجموعة من الشركاء المحليين والأجانب والذي تم تدشين مؤتمره الختامي الاثنين 27 حزيران/يونيو، في حضور هذه النماذج الواعدة من النساء الذين بدأوا مشاريعهن وامتلكوا زمام أمورهم الاقتصادية وشاركوا بمعرض في هذا الحدث لمنتجاتهم المصنوعة بجودة عالية.