فجوة الأجور بين الجنسين... ظاهرة يجب الحد من انتشارها

التمييز في المعايير الاجتماعية وعدم الالتزام بقوانين المساواة وغيرها تسببت في اتساع فجوة الأجور بين الجنسين، وهناك تحديات هيكلية وثقافية تحول دون صعود النساء إلى المناصب العليا.

إخلاص حمروني

تونس ـ تعاني العديد من النساء بتونس من الاستغلال الاقتصادي والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، الذي يتضح من خلال فجوة الأجور وعدم المساواة بين الجنسين.

تتقاضى العديد من العاملات بتونس أجور زهيدة مقابل عمل شاق ومهدد لحياتهن جراء التغيرات المناخية وغيرها من الظروف، "في العمل لا يعاملون المرأة مثل الرجل فحظوظه دائماً أكبر من حظوظنا" هذا ما قالته أسمهان بن علي مواطنة من قفصة عند حديثها عن تجربتها في سوق العمل سواء في قطاع الفلاحة أو الصناعة.

مضيفةً "أعمل في الفلاحة وفي معمل الخياطة ولاحظت وجود الكثير من الانتهاكات تمارس ضد المرأة العاملة التي يحدث تمييز بينها وبين الرجل الذي يعمل ساعات أقل ويقوم بأعمال سهلة ومع ذلك صاحب العمل يمنحه أجراً أكثر من ذاك الذي يمنحه للمرأة، فعلى سبيل المثال في موسم الزيتون تعمل المرأة على الآلات على غرار آلات الخياطة لساعات طويلة تتراوح بين 8 و10 ساعات يومياً سواء جالسة أو واقفة ومع ذلك يوجد تمييز في الأجور"، مشيرةً إلى أن القوانين في تونس لم تستطع حماية النساء العاملات خاصة في القطاعات الهشة.

 

 

من جانبها ترى حذامي مثلوثي أن ترسانة القوانين التي نص عليها المشروع التونسي والمتعلقة بالمساواة في الأجور بين الجنسين بحسب ما ورد في الدستور التونسي لا تزال ضعيفة، "مازلنا حتى هذا اليوم نعيش ظاهرة عدم المساواة في الأجور التي شهدت تفاقماً في السنوات الأخيرة خاصة في الاقتصاد غير المنظم مثل الأنشطة الفلاحية"، موضحةً أن النساء العاملات في القطاعات الهشة تتقاضين أجوراً أدنى من الحد الذي نص عليه القانون وأقل بكثير من الأجر الذي يتقاضاه الرجل كل ذلك بسبب غياب الرقابة وعدم تطبيق القوانين والتمييز الجندري.

وقالت "أرجو أن تتم ملاحقة الأشخاص الذين يمارسون عنفاً اقتصادياً على النساء لأنه قانونياً في حال أن صاحب العمل لم يمنح المرأة التي تقدم ذات المجهود الذي يقدمه الرجل نفس الأجر فإن ذلك يعد جريمة وعنفاً اقتصادياً".

 

 

وحول مظاهر العنف الاقتصادي ومدى انتشار ظاهرة فجوة الأجور أكدت زهرة بن نصر رئيسة جمعية Face Tunisie على أن المرأة التونسية موجودة بشكل قوي في سوق العمل، لكن هذا الحضور يختلف حسب القطاع، على سبيل المثال في قطاع التعليم والصحة، تمثّل النساء نسبة تتجاوز 60% من العمال بينما تساوي 30% في القطاعات التقنية والهندسة.

كما أوضحت زهرة بن نصر أن معدل مشاركة النساء في سوق العمل "منخفضة" مقارنة بالرجال لأنهن أقل حضوراً، مشيرةً إلى وجود ظاهرة "التمثيل غير المتوازن" بين الجنسين في بعض القطاعات مثل الهندسة والتكنولوجيا والقطاع المالي، حيث يبقى الرجل الأكثر حضوراً في الوظائف القيادية والمتخصصة وفي تقلد المناصب العليا في القطاعين العام والخاص، وهذا يعكس تحديات هيكلية وثقافية تحول دون صعود النساء إلى المناصب العليا.

وقالت "تشير كل الأرقام إلى التمييز الاقتصادي أو ما يسمى بالعنف الاقتصادي الذي لا يزال قائماً ضد النساء في تونس على الرغم من تحصيلهن العلمي الجيد، كما أن هذه الوضعية تُعزز الفجوة الجندرية في سوق العمل، مما يؤدي إلى استمرار التفاوت بين الجنسين في الفرص الاقتصادية".

وأشارت إلى أنه رغم تقدم القوانين التونسية في المنطقة العربية خاصة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، إلا أنه لا يزال العنف الاقتصادي ضد النساء يشكل تحدياً كبيراً وتهديداً حقيقياً لحقوقهن، لافتةً إلى أن العنف الاقتصادي يتمثل في استخدام القوة أو التأثير بشكل غير عادل أو تمييزي بهدف السيطرة على حياة المرأة الاقتصادية، مثل التقليل من فرصها المهنية، أو فرض ظروف عمل غير عادلة أو الحد من قدرتها على الاستفادة من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية.

وحول مظاهر العنف الاقتصادي ضد المرأة قالت إنه يمكن تلخيصها في التمييز في الترقية، والتمييز في الأجور، والعمل المؤقت أو العقود قصيرة المدى فهناك نسبة كبيرة من النساء يتم توظيفهن في عقود مؤقتة أو غير مستقرة في قطاع النسيج أو الفلاحة، وكذلك ساعات العمل الإضافية غير مدفوعة الأجر والفصل التعسفي بسبب الحمل أو الزواج.

وعن حقيقة اتساع فجوة الأجور بين الجنسين قالت "حسب الإحصائيات الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء، الفرق في الأجور يصل إلى حوالي 20% لصالح الرجل في عدة قطاعات، والسبب الأساسي هو التمييز في المعايير الاجتماعية وعدم الالتزام بقوانين المساواة، الأمر الذي يجعل فجوة الأجور تتسع أكثر الأمر الذي يتسبب في تغييب المرأة على مستوى المناصب القيادية".

وفيما يخص إذا كانت هذه الظاهرة منتشرة في تونس فقط أكدت زهرة بن نصر إنها موجودة في العديد من الدول العربية معتبرةً أن المرأة في هذه الدول بصفة عامة تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، "في بعض البلدان مثل مصر ولبنان والسعودية توجد فجوة في الأجور رغم التحسينات على إدماج المرأة، فمازالت النسب أقل مقارنة بالرجال، وهذا يظهر أن العوامل الثقافية والاجتماعية تلعب دور كبير في دعم أو تقييد فرص المرأة".

ولتحقيق المساواة الكاملة وضمان حقوق المرأة في سوق العمل، أوضحت زهرة بن نصر أن الأمر يتطلب تبني مجموعة من الإجراءات الشاملة التي تتضمن مختلف الجوانب "أولاً يجب تعزيز التشريعات القانونية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، خاصة تلك التي تحظر التمييز في الأجور والترقيات وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة على المؤسسات لضمان تطبيق القوانين بشكل صارم وفعال، مع ضمان حماية حقوق النساء في بيئة العمل، ثانياً يجب خلق بيئة عمل تحفيزية تشجع النساء على التقدم في مسيرتهن المهنية، بما في ذلك تسهيل وصولهن إلى المناصب القيادية من خلال برامج دعم وتوجيه تهدف إلى رفع كفاءاتهن وتمكينهن من شغل المناصب العليا، أما ثالثاً تنظيم حملات توعية تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية المساواة الاقتصادية بين الجنسين وتوضيح أبعاد العنف الاقتصادي ضد النساء".

وفي ختام حديثها أكدت على أن "التمكين الاقتصادي يقدم للمرأة خاصة في المناطق الريفية الحلول الفعالة لتحقيق المساواة في فضاء العمل من خلال تقديم دعم مالي للنساء الراغبات في بدء مشاريعهن الخاصة وتدريبهن في مجالات مثل ريادة الأعمال والابتكار حتى تستطعن تحقيق استقلالهن المالي والمساهمة بشكل فعال في الاقتصاد الوطني، كما ينبغي تشجيع النساء للعمل في القطاعات المستقبلية مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، عبر برامج تعليمية وتدريبية تتيح لهن الفرصة للنجاح في هذه المجالات".